«بدر زايد» و «سِـيلّه»
ذهبت لسوق التنين الذي يبيع منتجات تخلّي البيوت “تلق” فقصدت البلاط المرمري الذي ستدوسه أرجل مختلفة ألوانها وأشكالها كما سيمشي عليه زائرو بيتنا المتواضع والراغبون من أبناء وبنات القبائل. ومن أهم خصائص هذا السوق توفر “كاشي” خشنا يحـدُ من انزلاق “العيايز” وقت الوضوء ويكفيهن زيارة مستشفيات كتب على أبوابها “الأعمار بيد الله”! وبعد جولة مملة اشتريت “كاشي” لحجرتي والغرف المجاورة وسألني أمين، وهو بائع صيني يتحدث العربية من منطلق ابن منظور: مدام، هل تودين شراء نعلات مطابقة؟ فأجبت سؤاله بسؤال: ماهي النعلات؟ فرد بكبرياء وثقة: النَّعْل من الأَرض القطعة الصُّلْبة الغليظة شبه الأَكَمة لذلك سميت بنعلة والنَّعْل مؤنثة، ووصفها بالفرد وهو مذكر لأَن تأْنيثها غير حقيقي. فسألته: وماذا تسمى باللغة الإنجليزية؟ فرد أمين من منبره الشاهق علماً: تسمي skirt أي تنورة وهذه الأخيرة فارسية الأصل ترتبط بدروع مصنوعة من حلق الحديد، عُـرِبت لتعني قطعة الملابس التي تستر القسم السفلي من جسم المرأة.
وسرحت مفكرة في هذا العبقري الذي أقف أمامه وتقف بيننا صفقة تجارية وحضارة عريقة تمتصها الصين بهدوء لا نستدركه، فتذكرت مثلاً صينيا سمعناه منذ صغرنا “كلما كبرت السنبلة انحنت وكلما تَعَمَـقَ العَالـِمُ تَواضَـعَ”. وأفاقني أمين وهو في طريقه لاستيعاب اللهجة المحلية فسألني” مدام، هل تحتاجين سيارة أجرة –بيك أب- لنقل ما اشتريتيه والا عندك دريول مال بيت”؟
وقبل أن أجيبه حَـشَرَ وجهٌ أسمرٌ وسيم نفسه بيننا فأمتدت لي يـد لم أعي مصدرها وفجأة وجدتني أقرأ بطاقة كتب عليها “بيك أب للايجار” وكما يفعل صبي الكافتيريا شرع “خان المكان” قي سرد سيرته الذاتية قائلاً:”ماماه، كل سامان أنا مسؤول ما فيه ناقص، ما فيه خربان، ما فيه مكسور، ما فيه زَيَّع، ما فيه تأخير، ما فيه زياد فلوس. أنا كل مكان يروح”. وهم في تسمية المناطق التي تقع تحت سيطرة حافلته ومنها “بدر زايد وسِـيلّه”. فسألته: وأين تقع منطقة “بدر زايد وسِـيلّه”؟ فنظر إلي نظرة شخص متمكن من معرفته لحدود الإمارات العربية المتحدة بما فيها الجزر المحتلة وقال: “بدر زايد، فيه اسم مال أول “ليوا” بعدين اسم جديد مال منطقة استوي بدر زايد”. فزلزلت رأسي مؤكدة وصول المعلومة وأضاف قائلاً: “سِـيلّه في بعيد من آخر أبوظبي بعدين يجي قطر ومن هناك سآودياه”.
فقلت: “ألف شكر ياخان، دريول بيتنا بييب السامان”. فقال مودعاً ونظرة الرأسمالية تشع من عينية: “مافي مشكل ماماه، دريول مال انته ممكن سفر والا ممكن مريز انته سوي تيلفون نحنا حازرين”.
للعارفين أقول، الصين والتنين تناقِلٌ بين العلم واليقين، أما الإمارات فهي ملتقى معارف العالم وحواراته.
bilkhair@hotmail.com